مقالات

سبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه 

سبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا إشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة إبتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال. 

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة” رواه الترمذي، ومن أعظم الأعراض المرضية التي تذهب الخطايا تلك الحمى التي تصيب الإنسان، وإن هناك من الناس من كتب الله تعالى له منزلة عظيمة في الجنة، ولكنه لم يصلها بعمله، فعندها يأتي المرض رحمة من رب العالمين، ليصل بسببه إلى تلك المنزلة العظيمة، وهنا قد يتبين لنا بعض الحكم في مرض كثير من المسلمين في آخر حياتهم، وأن الله يريد بعبده المؤمن الخير، فأهله بين الهموم والأحزان والقيام على شؤونه مأجورون، وهو بمرضه وصبره مأجور ويهيأ للحور الحسان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة” 

سبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه 

وإن من فوائد المرض هو أن الله تعالي يخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر، فلو دامت للعبد جميع أحواله لتجاوز وطغى ونسي المبدأ والمنتهى، ولكن الله تعالي سلط عليه الأمراض والأسقام والآفات وخروج الأذى منه والريح والبلغم، فيجوع كرها ويمرض كرها، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وأحيانا يريد أن يعرف الشيء فيجهله، ويريد أن يتذكر الشيء فينساه، وأحيانا يريد الشيء وفيه هلاكه، ويكره الشيء وفيه حياته، بل لا يأمن في أي لحظة من ليل أو نهار أن يسلبه الله تعالي ما أعطاه من سمعه وبصره، أو يختلس عقله، أو يسلب منه جميع ما يهواه من دنياه فلا يقدر على شيء من نفسه، ولا شيء من غيره، فأي شيء أذل منه لو عرف نفسه ؟ فكيف يليق به الكبر على الله تعالي وعلى خلقه وما أتى إلا من جهله؟ 

 

ومن هذه أحواله فمن أين له الكبر والبطر؟ ولكن كما قيل من أكفر الناس بنعم الله، أفقير الذي أغناه الله؟ وهذه عادة الأخساء إذا رفع شمخ بأنفه، ومن هنا سلط الله تعالي على العبد الأمراض والآفات ، فالمريض يكون مكسور القلب كائنا من كان، فلا بد أن يكسره المرض، فإذا كان مؤمنا وإنكسر قلبه فالمريض حصل على هذه الفائدة وهي الإنكسار والإتضاع في النفس وقرب الله تعالي منه، وهذه هي أعظم فائدة، ويقول الله تعالي في الحديث القدسي “أنا عند المنكسرة قلوبهم” وهذا هو السر في إستجابة دعوة الثلاثة، المظلوم والمسافر والصائم، وذلك للكسرة التي في قلب كل واحد منهم، فإن غربة المسافر وكسرته مما يجده العبد في نفسه، وكذلك الصوم فإنه يكسر سورة النفس ويذلها، وكذلك الأمر في المريض والمظلوم، فإذا أراد الله تعالي بعبد خيرا سقاه دواء من الإبتلاء يستفرغ به من الأمراض المهلكة للعبد حتى إذا هذبه رد عليه عافيته، فهذه الأمراض حمية له، فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه.

سبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى